لم تتوقف السلطة الفلسطينية عن الحديث والشكوى من أزمة مالية حادة تمرُ بها، ما أثار الكثير من التساؤلات حول حقيقتها والأسباب التي أوصلتها إلى هذا الحد الذي جعل مسؤوليها يلمحون مؤخرا إلى احتمالية عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.
يقول مراقبون إن ديون السلطة بلغت مستويات قياسية لجهات مختلفة حتى باتت غير قادرة على الاستدانة أكثر، ما اضطرها إلى الاقتراض من الاحتلال “الإسرائيلي” الذي يقتطع من أموال الضرائب ويحتجز ملايين من الاموال الفلسطينية.
ويرى المراقبون أن الأزمة المالية للسلطة ليست وليدة اللحظة إنما بدأت منذ نشأتها ووصلت ذروتها السنوات الماضية؛ بفعل الفساد المُتراكم ما دفع الدول إلى وقف دعمها، مرجحين استمرارها لا سيما في ظل المؤشرات بعدم نجاح رئيس الحكومة برام الله محمد اشتية الأخيرة في إعادة الدعم الأوروبي.
“فساد متراكم”
المختص في الشأن المالي والخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر، قال ” إن الوضع الذي وصلت له السلطة نتيجة تراكمية منذ نشأتها للترهل الإداري والفساد المالي والإداري وتضخم الرواتب وكذلك التعيينات بناء على المحسوبية والواسطة.
وذكر “أبو قمر” أن السلطة لم تجرِ أي إصلاحات منذ النشأة رغم التقارير المحلية والدولية الداعية إلى ذلك، ما أدى إلى تضخم الموازنة وتراكم الديون بأرقام كبيرة جدا.
ووفق الخبير الاقتصادي، فقد بلغت ديون السلطة منذ عام 2005 حتى اليوم نحو 30 مليار شيكل سواء للقطاع العام أو الخاص والمستحقات للموظفين أو الشركات، وذلك في ظل إقصاء غزة وإحالة الآلاف من موظفيها للتقاعد القسري وفصل العشرات.
وبحسب الخبير الاقتصادي، تعتمد موازنة السلطة بشكل كبير على أموال المساعدات والضرائب خاصة “المقاصة” وبدون هذين المصدرين لا يمكنها إعالة نفسها، مبينا أن “المقاصة” أصبحت عرضة للابتزاز والاقتطاع من “إسرائيل” التي باتت تتحكم برقبة الاقتصاد الفلسطيني.
“وقف المساعدات”
وأفاد بأن جزءًا من المانحين أوقفوا المنح والمساعدات لأسباب سياسية والجزء الآخر بسبب “شبهات فساد في أروقة السلطة” كما فعل الاتحاد الأوروبي الذي أوقف دعمه ما أدى إلى تفاقم معاناة الأسر الفقيرة المستفيدة من مخصصات الشؤون الاجتماعية والذين لم يحصلوا إلا على نصف دفعة هذا العام من أصل أربع كانت مقررة.
وتواصل “إسرائيل” خلافا لاتفاق باريس الاقتصادي، اقتطاعات شهرية جائرة من أموال “المقاصة” تفوق 100 مليون شيكل، وتحتجز ما يفوق 2 مليار شيكل، ما أدى لأزمة لدى السلطة واضطرارها إلى الحصول على قروض مالية من الاحتلال.
وحذر أبو قمر من أن خطورة حصول السلطة على قروض من الاحتلال وأن تكون هذه الأموال عرضة للابتزاز السياسي وتنازلات قادمة من تحت الطاولة أو مقابل غض السلطة الطرف عن الاستيطان والمخططات “الإسرائيلية” الخطيرة. “فشل جولة اشتية” وحول جولة رئيس الحكومة برام الله محمد اشتية الأخيرة إلى أوروبا، أكد أبو قمر أنها “فشلت بامتياز، وليس هناك أي أموال إنما مجرد وعودات لم تنفذ”، فيما لم تعد البنوك قادرة على إقراض مزيد من الأموال للسلطة.
وقلل من أهمية مؤتمر المانحين المقرر يوم الأربعاء المقبل “طالما كان هناك وعودات بدون تحويل أموال للسلطة”، لافتا إلى أن الدول العربية والإدارة الأمريكية أيضا تواصل إغلاق الباب في وجه السلطة لأسباب سياسية مرتبطة بالرغبة في تنازلات إضافية دون السماح بانهيارها.
“النفقات تفوق المدخولات”
بدوره، اتفق المختص عادل شديد مع الخبير الاقتصادي “أبو قمر” بأن السلطة تعاني أزمة مالية عميقة ولا انفراجة في الأفق، مرجعا ذلك لعدة أسباب من بينها قيامها بإلغاء الانتخابات العامة.
وقال شديد إن نفقات السلطة أكبر من مدخولاتها “بالتالي لم تعد قادرة على تغطية مصروفاتها بما يشمل المصاريف التشغيلية والرواتب والشؤون الاجتماعية والبنى التحتية.
وأشار إلى أن السلطة تعتمد في دخلها على “المقاصة” والتحصيل الداخلي والمساعدات الدولية والعربية “التي تراجعت كثيرًا نتيجة التطورات الاقتصادية وارتباطها بالموقف الأمريكي والإسرائيلي”.
“لا انفراجة قريبة” وتراجع الدعم الخارجي أيضا، بحسب شديد، نتيجة إلغاء السلطة للانتخابات وعدم تجديد الشرعيات، مستطردا : “لا أرى انفراجة في القريب طالما بقي الوضع السياسي كما هو”. وأكد أن الديون أنهكت السلطة فيما لم تعد قادرة على التحكم وزيادة مدخولاتها وتعتمد فقط على التحصيلات الداخلية والمقاصة مع قلة الأموال القادمة من المانحين.
وكانت السلطة قد حصلت مؤخرا على قرض بقيمة 500 مليون شيكل من الاحتلال، كما أفاد به الإعلام “الإسرائيلي”، فيما قالت السلطة إنها جزء من أموالها المحتجزة لديهم والبالغة نحو 2 مليار شيكل.