تمس استمرارية الفعل الثقافي رام الله: مؤسسة “القطان” تغلق مقرها احتجاجا على تهديدات تعرضت لها
أعلنت مؤسسة القطان تعرضها لتهديد “مجهول المصدر” في محاولة لمنعها من تنفيذ أمسية موسيقية في مركزها بمدينة رام الله للفنان الفلسطيني جوان صفدي، بحجج غير واضحة.
وأعلنت القطان في بيان لها بهذا الخصوص عن “إغلاق أبواب مركزها الثقافي في رام الله يوم الخميس، الساعة الرابعة مساءً” وذلك “احتجاجاً على تلك التهديدات والأفعال المسيئة لنا كفلسطينيين، ولفلسطين ولصورتها أمام العالم، وعلى عدم توفير الجهات الرسمية الحماية اللازمة للمؤسسات الثقافية وللفنانين، وصمتها عن كشف أولئك الذي يقفون وراء التهديد والوعيد، وإرباك الحياة الثقافية والمجتمعية وملاحقتهم”.
ونوهت في بيانها الى ما كان سجل مؤخرا من اعتداءات وتهديدات تتعلق بفعاليات ثقافية وفنية “لخلق حالة من الخوف تدفعهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية على خيالهم وإبداعهم وبرامجهم، نزولاً عند رغبة عناصر ظلامية تعمل على إثارة الخوف والتوتر وتشتيت الطاقات، ما يفضي إلى ضرب شروط الحيوية والإبداعية الفلسطينية الكامنة في الوحدة الداخلية، والثقة المجتمعية، والتماسك الوطني، ولخدمة كل الجهات التي ترى مصلحتها في تعطيل الحياة الإبداعية والثقافية، وإسكات الصوت الإنساني للفلسطيني، وحدوث فلتان وغياب للقانون، وعلى رأسها قوات الاحتلال ومؤسساته التي لا تزال ترى في الفعل الثقافي الفلسطيني الحصن المنيع الذي يصعب اختراقه، والذي شكل، على مدى عقود متعاقبة، حاضنة لهوية فلسطينية جامعة، استطاعت أن تجمع الشتات الفلسطيني، وتشكل وجدانه، وتقدم القضية الفلسطينية على منابر دولية في أصقاع الأرض، معززة دوائر التضامن السياسي والإنساني مع الشعب الفلسطيني وقضيته.
وأضافت “بات جلياً أن هذه الجهات العابثة والغامضة، باتت تستسيغ الدور الذي تلعبه، وهي ترى قدرتها على التهديد وإلغاء الفعاليات الثقافية والفنية، الواحدة تلو الأخرى، تتنامى وتكبر، دون رد فعل ملموس من قبل الجهات الرسمية المنوط بها حماية المواطنين والمؤسسات، ووضع حد لهذه التهديدات، بل نجدها تتنصل من مسؤولياتها معلنةً عدم قدرتها على تقديم الحماية للمؤسسة الثقافية، أو الجهة المنظمة للفعالية المهددة بالاعتداء عليها”.
وفيما يلي نص البيان الصادر عن القطان:
يأتي هذا البيان في سياق تعرض مؤسسة عبد المحسن القطان لتهديد مجهول المصدر في محاولة لمنعها من تنفيذ أمسية موسيقية في مركزها الثقافي برام الله للفنان الفلسطيني جوان صفدي بحجج غير واضحة، ولا سيّما في ظل ما تشهده الحياة الثقافية الفلسطينية في الفترة الأخيرة من حوادث الاعتداء ومحاولات المنع المؤسفة، التي تخللها عنف جسدي ولفظي وتهديد صريح طال عاملين وناشطين ثقافيين وفنانين ومؤسسات متعددة، وصل حدّ الإلغاء في عدد منها، بحيث باتت هذه الحوادث الدخيلة على الحياة الاجتماعية والثقافية، والمستغربة ومشبوهة المصدر والهدف، تهدد استمرارية الفعل الثقافي الفلسطيني وكينونته وتكامله وتدفقه ودوره الاجتماعي والإنساني في تطوير المخيلة والفاعلية والهوية الفردية والجمعية الفلسطينية، عبر تفعيل الحوار داخلياً، وإبراز الحضور الفلسطيني عالمياً صوتاً وصورة.
لم يقتصر الأمر على تهديد العاملين في الحقل الثقافي والاعتداء عليهم، وعلى حقهم في الإنتاج والتعبير، بل وصل إلى تهديد وجودهم وحقهم في الحياة الآمنة، بقصد إرهاب المؤسسات والفاعلين الثقافيين، من خلال ممارسة العنف عليهم، لخلق حالة من الخوف تدفعهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية على خيالهم وإبداعهم وبرامجهم، نزولاً عند رغبة عناصر ظلامية تعمل على إثارة الخوف والتوتر وتشتيت الطاقات، ما يفضي إلى ضرب شروط الحيوية والإبداعية الفلسطينية الكامنة في الوحدة الداخلية، والثقة المجتمعية، والتماسك الوطني، ولخدمة كل الجهات التي ترى مصلحتها في تعطيل الحياة الإبداعية والثقافية، وإسكات الصوت الإنساني للفلسطيني، وحدوث فلتان وغياب للقانون، وعلى رأسها قوات الاحتلال ومؤسساته التي لا تزال ترى في الفعل الثقافي الفلسطيني الحصن المنيع الذي يصعب اختراقه، والذي شكل، على مدى عقود متعاقبة، حاضنة لهوية فلسطينية جامعة، استطاعت أن تجمع الشتات الفلسطيني، وتشكل وجدانه، وتقدم القضية الفلسطينية على منابر دولية في أصقاع الأرض، معززة دوائر التضامن السياسي والإنساني مع الشعب الفلسطيني وقضيته.
وقد بات جلياً أن هذه الجهات العابثة والغامضة، باتت تستسيغ الدور الذي تلعبه، وهي ترى قدرتها على التهديد وإلغاء الفعاليات الثقافية والفنية، الواحدة تلو الأخرى، تتنامى وتكبر، دون رد فعل ملموس من قبل الجهات الرسمية المنوط بها حماية المواطنين والمؤسسات، ووضع حد لهذه التهديدات، بل نجدها تتنصل من مسؤولياتها معلنةً عدم قدرتها على تقديم الحماية للمؤسسة الثقافية، أو الجهة المنظمة للفعالية المهددة بالاعتداء عليها.
وليس خافياً على أحد، العواقب الوخيمة التي يمكن أن تجرها مثل هذه التهديدات والأفعال القمعية على الحياة الثقافية بشكل خاص، وعلى المجتمع الفلسطيني بشكل عام، وعلى مكانة فلسطين الثقافية في الخارج، تلك التي ساهم في بنائها وترسيخها عدد هائل من المثقفين والكتاب والسينمائيين والفنانين على مدى عقود متعاقبة، وقد دفع العديد منهم أثماناً باهظة طالت أرواحهم، ليؤسسوا مجتمعاً فلسطينياً حراً وديمقراطياً وعادلاً، وقادراً على استيعاب التعددية والتنوع وأشكال التعبير الثقافي المختلفة، ولم يكن صدفة أن أوكل للشاعر الكبير محمود درويش، بما يمثل من رمزية وقامة ثقافية كبيرة، للتعبير عن ذلك الحلم الفلسطيني في بيان إعلان الاستقلال.
وترى المؤسسة أن الرضوخ لمثل هذه التهديدات تحت ذريعة الخوف، أو أية تبريرات أخرى، يساهم في تقويض المنجز الكبير الذي راكمته الحركة الثقافية الفلسطينية على مدى سنوات طويلة، ويمثل ضربة قاصمة لحرية التعبير والرأي، وإفراغاً للفعل الثقافي من عناصر ثرائه وقوته، وكسراً للجسور الثقافية العديدة التي تم بناؤها عبر السنين ما بين أبناء الشعب الفلسطيني في جغرافياته المترامية والمشتتة من جهة، ومع العالم من جهة أخرى.
وعليه، تهيب المؤسسة بالكل الفلسطيني، ولا سيما المؤسسات الثقافية والفنية ومؤسسات المجتمع المدني والقوى الوطنية، والعاملين والناشطين الثقافيين والمجتمعيين كافة، وكل من يهمه أمر فلسطين وثقافتها، أن يقاوم كل تلك التهديدات، ويعرّي نوايا ومقاصد الواقفين خلفها والمستفيدين منها، ومن إشغال المجتمع الفلسطيني بقضايا طارئة تبدل أولوياته واهتماماته، وتقوض وحدته، وتشتت طاقته، وتفض من حوله العديد من المتضامنين معه، الذين دخل كثير منهم دائرة الفعل التضامني من بوابة الثقافة والفن.
ومن منطلق وضوح المؤسسة مع جمهورها من جهة، وثبات توجهاتها من جهة ثانية، وعلى رأسها حقها في الدفاع عن استقلاليتها، وعن الانحياز للحرية وللإبداع الثقافي الذي ترى فيه الشرط الأول لإذكاء الفعل الإنتاجي والحوار المجتمعي، وأيضاً من منطلق مسؤوليتها تجاه من تعمل معهم من فنانين ومعلمين وأطفال، وتجاه جمهورها، قررت المؤسسة تحويل الأمسية الفنية التي كانت مخططة مساء يوم الخميس الموافق 4 آب 2022، إلى فعل ثقافي وفني واحتجاجي تجاه من يحاول جرنا إلى مساحات الخوف والفلتان. سوف يقدم الفنان جوان صفدي العرض الموسيقي من بيته وإلى جانب زوجته وأفراد عائلته، وسوف يتم بث هذه الأمسية على وسائل التواصل الاجتماعي، ونهيب بكافة الناشطين الثقافيين والمجتمعيين والأشخاص المؤثرين، ممن يهمهم حرية التعبير، في فلسطين وحول العالم، مشاركة بث هذه الأمسية الموسيقية.
واحتجاجاً على تلك التهديدات والأفعال المسيئة لنا كفلسطينيين، ولفلسطين ولصورتها أمام العالم، وعلى عدم توفير الجهات الرسمية الحماية اللازمة للمؤسسات الثقافية وللفنانين، وصمتها عن كشف أولئك الذي يقفون وراء التهديد والوعيد، وإرباك الحياة الثقافية والمجتمعية وملاحقتهم، تعلن المؤسسة إغلاق أبواب مركزها الثقافي في رام الله اليوم الخميس الساعة الرابعة مساءً.
لنعمل معاً على التكاتف جنباً إلى جنب من أجل حماية المنجز الثقافي الفلسطيني من كل من يتقصد العبث به وإفساده، خادماً، من حيث يعلم ولا يعلم، أهداف الاحتلال الذي طالما كان يستهدف الثقافة الفلسطينية لكونها جزءاً أصيلاً وريادياً من أدوات مقاومته.