بينما يحيي الإسرائيليون الذكرى السنوية التاسعة والأربعين لانتكاسة حرب أكتوبر 1973، تزداد مخاوفهم من تكرار ذات الهزيمة في حال خاضوا مواجهة عسكرية كبيرة متعددة الجبهات، ما يجعلهم يحذرون دوائر صنع القرار فيها مما يصفونه “الانجراف” إلى الأماكن التي يصعب العودة منها، مع العلم أنه حتى يومنا هذا، ومنذ قرابة خمسة عقود، لم يتبدد ضباب الغفلة التي أصابت دولة الاحتلال على حين غزة، وتسببت في تلك الهزيمة النكراء.
في الوقت ذاته، دأب الإسرائيليون من خارج المحافل السياسية والعسكرية الرسمية في دولة الاحتلال، وعند كل سنة لإحياء هذه الذكرى على خلق ما يسمى التناقض بين الجنود على الأرض، والجنرالات في المكاتب العسكرية، وفي هذه الحالة لا يترددون في القول إن نجاة دولة الاحتلال في آخر لحظة من هذه الهزيمة جاء بفضل المقاتلين في ميدان المعركة، وليس بفضل الجنرالات الذين سرقوا المجد لأنفسهم في الحروب التي سبقت حرب 1973.
أمنون لورد الكاتب في صحيفة إسرائيل اليوم، ذكر أن “من الدروس المستفادة من الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال، خاصة حرب 1973، التي يجب استيعابها، هي أن المقاتلين الميدانيين لن يحققوا النتائج المرجوة بدون تفكير عسكري ذكي، وبدون حكمة قيادة الوحدات القتالية، بدءًا من مستوى السرية الأولى إلى الفرقة العسكرية وصولا الى مقر هيئة الأركان، وهنا يمكن القول بكثير من الثقة أن مصير إسرائيل، كما غيرها من الدول، يتحدد على مدى عقود، وأحياناً لأجيال، نتيجة الحروب التي خاضتها، والهزائم التي تمنى بها”.
وأضاف أن “أهم الخلاصات العسكرية التي يجب أن تستفيد منها دولة الاحتلال من حرب 1973 في ذكراها السنوية هذه الأيام، أن المعارك الميدانية والقتال المستميت للجنود لا يمنع وقوع نهايات مريرة في نهاية الحرب، تماما كما حصل مع هزيمة الجيش الفرنسي أمام ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وأمام الثورة الجزائرية، لقد منيت فرنسا العظمى بهزيمتين فظيعتين وسريعتين بشكل مذهل خلال عشرين عاما فقط، لأن قادتها العسكريين لم يفهموا جوهر العدو الذي هاجمهم في الحالتين”.
وأشار إلى أن “مرور 49 عاما على حرب 1973 لا ينسي الإسرائيليين أن أساس الهزيمة جاء على خلفية غفلة السياسيين وعدم يقظة الجنرالات، ولم يكن بإمكان الجنود المقاتلين على الأرض سد هذه الثغرات التي أوجدها قادتهم من المستويين السياسي والعسكري، والنتيجة أن الجيش افتقد لما يمكن وصفه اليد الإرشادية، بسبب غياب التنسيق، وعدم وجود قائد أعلى، والخلاصة نراها اليوم أنه منذ 1993 حين تم توقيع اتفاق أوسلو، ظهرت بيننا الأفكار السياسية والاستراتيجية الفاشلة التي جعلت الجنود زائدين عن الحاجة، ويتضح من الخسائر العديدة على الجبهة الداخلية، أنه يمكن لإسرائيل الانجراف إلى أماكن يصعب العودة منها”.
لقد حفلت وسائل الإعلام ومراكز البحث الإسرائيلية في هذه الأيام بالعديد من القراءات والمقالات التي تستعيد أحداث حرب أكتوبر 1973، وما يصاحبها من تخوفات إسرائيلية لا تخطئها العين بأن الدولة قد تكون متجهة إلى كارثة جديدة على نمط تلك الحرب، لكنها هذه المرة في مواجهة الفلسطينيين، وليس المصريين والسوريين، لأن حالة الجمود السياسي والغطرسة والغرور التي ميزت الاحتلال قبيل اندلاع تلك الحرب أدت في نهايتها لوقوع آلاف القتلى الإسرائيليين.
ودفعت دولة الاحتلال أثمانا باهظة جدا خلال تلك الحرب، وفقدت مئات القتلى وآلاف الجرحى في حرب استنزاف في الفترة 1967- 1973، وعند وقوع الحرب ذاتها في ذلك العام خسرت 2700 قتيل وعشرة آلاف جريح، ولعل المؤشرات القائمة حاليا تؤكد أن الاحتلال ذاهب للمسار ذاته، وهي القصة القديمة المزعجة التي باتت أكثر وضوحا من ذي قبل، ففي السنوات العشر الأخيرة بات يفضل الزعماء الإسرائيليون تغطية سلوكهم تجاه الفلسطينيين بمزيج من العجرفة والغرور، بالمواصفات ذاتها التي ميزت حكومة 1973، لكن الفرق أن هذا السلوك يتم توجيهه نحو الفلسطينيين، وليس السوريين أو المصريين.