المتقاعدون العسكريون ليسوا “عبئا زائدا” .. يا حكومة فلسطين
اللواء محمود الناطور “ابو الطيب”
لقد مضت على مسيرة الثورة الفلسطينية سنوات طويلة من العطاء، وسلسلة طويلة من نماذج الفداء صنعها الشعب الفلسطيني، الذي قدم التضحيات وآلاف الاسرى والشهداء والجرحى الذين سقطوا على أرض الوطن، الذين تقاسموا الحلم والألم والأمل ، لكل واحد منهم حكاية وقصة ، وروعة استشهاد، حفروا تلك الأسماء الخالدة في تاريخ شعبنا، وعلى صخور مدننا وقرانا لتبقى نبراسا وشعلة تضيء لنا ظلمة هذا الطريق إلى نور المستقبل الذي نؤمن به أنه قادم .. انهم “الذاكرة الكفاحية” في تاريخ الثورة الفلسطينية ، الذين ضحوا بأرواحهم في أكثر من موقف وتاريخ ومكان، لا تقودهم نحو الكرامة والعزة سوى روحهم الوطنية الباسلة والهدف الاسمى وهو تحرير فلسطين.
نعم، انهم “بوصلة الوطن” .. انهم مقاتلو الثورة الفلسطينية .. الذين عبدت دماءهم درب الحرية والكرامة .. الذين كانت ارواحهم رخيصة من اجل فلسطين .. الذين يعتقد البعض ان بامكانه تغافل تضحياتهم، معتقدا انهم سيذهبون الى غياهب النيسان.
انهم ذاكرة الامة .. انهم مجدها وفخرها وعزها .. وليعلم القاصي والداني ان محاولات اذلال هؤلاء الابطال ، انما هي طعنة في صدر الشعب الفلسطيني .. انها محاولة فاشلة لتجاوز عناوين الاعتزاز والفخر لدى ابناء شعبنا.
تمتلك فلسطين اكبر عدد من المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء ، نظرا لتاريخها النضالي الممتد لما يتجاوز المائة عاما ، منذ وعد بلفور المشؤوم ، حيث تتواصل التضحيات ، ويمتد طابور الابطال على مدى التاريخ ، الذي صنعه اولئك الابطال، الذين كانت فلسطين بوصلتهم ، وقبلتهم ، ومبتغاهم ، واسمى امانيهم ، ان يدفنوا في ترابها. فكانوا هم الثورة ، وهم السيرة، والمسيرة ، هم الفخر الذي يعتز بها الابناء والاحفاد ، هم المجد والفخر.
يحظى العسكريين في كل دول العالم بالتقدير والاحترام نظرا لتضحياتهم التي قدموها من اجل الوطن. وفي المقابل اصبح المتقاعدون العسكريون الفلسطينيين الان عنوان المعاناة ، هم الاهمال والنسيان ، هم الذين لا حساب لهم .. ولك فقط ان تذهب لتشاهدهم يوم الرواتب كيف يفترشون على الارصفة بانتظار رواتبهم ، وامام مؤسسة التأمين الصحي بانتظار صرف مستحقاتهم من الادوية ، ليستحقوا بالفعل اسم المنسيون ، ولعل من اكثر القصص التي تأثرت بها كثيرا عندما عرفت ان السيدة عدلة خليل زوجة الشهيد وحش الدلكي، الذي كان احد ابطال عملية عيلبون ، عملية انطلاقة الثورة الفلسطينية ، لم يعتمد بعد وفاته أسيرا او شهيدا، وبعد وفاته ظلت زوجته دون معيل أو مسكن او راتب، على الرغم من تاريخها النضالي حيث كانت تنقل الأسلحة الى القواعد المتقدمة، وبعد جهود حثيثة تكرم الاخوة المسؤولين بصرف مبلغ 70 دينار شهريا، “كحالة إنسانية” ..! وكذلك زوجة المناضل إبراهيم محارب (الحاج كادلاك) الذي كان سائق الدورية التي أوصلت أبو عمار من الحمرا إلى الأرض المحتلة، تعمل مزارعة ولم يتم اعتمادها على أي بند وحتى لا حالة إنسانية ولا زوجة شهيد أو مناضل.
واليوم تتواصل الاهانة المتعمدة لهذا التاريخ الفتحاوي العريق ، حيث تم تأجيل صرف رواتب المتقاعدين العسكريين الى منتصف الشهر ، بحجة ان سلطات الاحتلال اقتطعت مبلغ 100 مليون شيكل من اموال المقاصة. من حقنا ان نتساءل .. لماذا لم يتم توزيع الخصم على فاتورة الرواتب لجميع الموظفين ويتوزع الخصم على الجميع، ويتوزع العبء على جميع الموظفين، وليس فقط المتقاعدين العسكريين، فمن غير المقبول ان يتقاضى الوزراء رواتبهم ويظل المتقاعدين العسكريين ينتظرون ويحترقون ويتحملون اعباء لا يمكن ان يتحملوها في هذه المرحلة من العمر ، بعد أن اتعبتهم السنوات الطويلة التي قضوها مناضلين، وحفرت اثار المعارك التي خاضوها آثارها على اجسادهم.
من حقنا ان نتساءل عن صحة الخبر الوارد على وكالة الانباء الفلسطينية وفا بتاريخ 4-11-2021م ان الاتحاد الأوروبي، اعلن عن تقديم مساعدة لرواتب ومخصصات التقاعد بقيمة 20.7 مليون يورو، لدفع رواتب ومخصصات التقاعد لشهر تشرين الأول/ اكتوبر المنصرم. من حقنا ان نتساءل اين ذهبت هذه الاموال ..؟.
فهل هكذا يكون التعامل مع من صنعوا الثورة ، مع حقوق اولئك الابطال الذين لم يعد لديهم القدرة ان يتحملوا اعباء الحياة ، ليأتي مسؤول وبكل بساطة ليقرر انه لا مشكلة في تأخير رواتبهم ، دون أن يكون لديه الجرأة للخروج ببيان رسمي يوضح حقيقة المشكلة.
هل المطلوب ان تصل رسالة للاجيال القادمة انه يجب ان نحاسب اولئك المناضلين ، ماذا سنقول لأبنائنا وأحفادنا عندما يجدون هذا الإهمال وهذا الضياع الذي يعيشه المناضلين الذين لم يتأخروا عن تقديم أغلى ما يملكون، من أجل فتح ، من أجل فلسطين، من أجل أن نعيش أحرارا ، ألا يليق أن نكون أوفياء معهم.
يا حكومة فلسطين ..
المتقاعدون العسكريون ليسوا عبئا زائدا ..
انهم من جبلت ارض فلسطين بدمائهم ..
انهم اصل الحكاية ..
ودرب الثورة ..
وطريق الحرية نحو فلسطين.